ذكريات معتقة
أذكر عندما كنت هناك أعد أناملي الناعمة، في وقت نسى ساعاته، وفي زمن خيم الحب على كل تفاصيله، وأنا أقبع تحت سقيفة قرميدية .
تحتاج إلى نفس تعشق التفاصيل و تتذوق الأحاسيس وترسم الٱحضان الدافئة .
منزل جدتي به أمور تستوطن القلب ، كثير من التفاصيل المبعثرة في الزوايا و الأحاديث التي حفظتها الجدران البعض من ضحكات الطفولة و شيء من الشغب .
فيه بقايا الذكريات السعيدة و فتات الماضي البعيد .
عبق التراب يلاعب الأنوف ، رائحته ليست كأية رائحة ، فيها شيء من عطر جدتي و بعض من زخات المطر و خليط من شعاع الشمس .
الأزهار على شرفة عمي تشرق من بين الدجى كقطع القمر ، بين فراشات الربيع و السنونو في العش تنبثق حكايات نقشت في الوجدان .
تجاعيد وجه جدتي قصص زمان و يدها المخضبة بركة الزاد و لسانها من رطوبة الصلاة على النبي لا يجف .
البئر القديم و خوفها على الأحفاد من الوقوع به ، خرافات الظهيرة لتزجرنا عن الخروج ، و عد النجوم ليلا حتى نغفو ، ذكرى لن تعود .
منزل جدتي لم يكن منزلا من اسمنت و طوب ، بل من طين و حجارة ، زرابي تقهقر منها الفرنجة ، أطقم قهوة التسعينات ، و آلة الخياطة في غرفة قديمة تشتكي للطاحونة الحجرية عجز الزمن .
أتسلل قرب المغيب لأقصى الحقل ، أستقبل نفحات النسيم محملة برائحة العشب ، أودع الشمس بأيادي صغيرة .
أختبأ خلف الأبواب الخشبية و هي تصدر أناتها كبريائها الحزينة ، أتفحص جرائد قديمة مكومة ، أنفض الغبار عنها و أهجئ الحروف العريضة ، جرائد اكتنزها عمي و قرأتها أنا في ولع و حب .
منزل جدتي لم يكن منزلا ، بل كان ساحة حنين لمن يشتاق لعبق الطيبين ، لمن يفتقد الحب و الصبا ، ذلك مكمن إكسير الحياة و متنفس الأرواح .
هناك تحت أشجار الكُرُم و الإجاص ، و أزهار البرتقال ، خرير مياه الأمطار على السقف القرميدي ، و عناق الرياح للأشجار في أرقى سمفونية .
عصا جدي متكأه قرب المدخل ذكرى وأثر ، و فأس عمي و تقليب التربة عنوان ، الخشب القديم المهترئ و المقابض النحاسية معلم ، المرآة الجدارية و قيلولة جدتي ذكرى عمر .
لم يكن منزلا بل كان جنة أرواح طيبة
رحلت جدتي و تركت خلفها ذكريات لا تموت و لا ترحل .
بقلمي/
شهد الدروبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق