لاءات الرفض
بقلم :رنا عبد الله
العراق 🇮🇶
في زقاق ضيق تفوح منه رائحة الخبز الطازج وأحلام الطفولة، كانت "هالة" تمر كل يوم بجانب محل الرسم المغلق، تحدّق من خلف زجاجه المترب على لوحة غير مكتملة لرجلٍ يمد يده نحو غيمة. لم تكن تعرف صاحب المحل، لكن شيئًا ما في اللوحة كان يخاطبها.
هالة، فتاة في التاسعة عشرة، تعيش بين جدران من "لا".
لا ترفعي صوتك.
لا تكتبي تلك القصيدة.
لا ترتدي هذا اللون.
لا تسافري وحدك.
لا تحلمي أكثر من اللازم.
كانت هذه "اللاءات" تُغرس في يومها كأوتاد خيمة لا يُسمح لها بالتحرك منها. وكان صوت والدها أكثر هذه "اللاءات" قسوة.
لكن في تلك الليلة، جلست على سطح البيت، وقررت أن تكتب رسالة، رسالة إلى نفسها، تبدأها بكلمة "نعم".
"نعم، أريد أن أعيش كما أنا. نعم، سأرسم الحلم حتى لو بالأصابع. نعم، سأتكلم، حتى لو بالكلمات المكسورة."
في صباح اليوم التالي، وجدت باب محل الرسم مفتوحًا لأول مرة منذ شهور. ترددت، ثم دخلت. كان رجل في الخمسين، يعيد ترتيب الألوان على طاولة خشبية قديمة. حدّق بها، ثم ابتسم.
قال: "أراكِ تحدّقين باللوحة منذ أسابيع."
ردت، كمن يشق الصمت لأول مرة: "أحببت الغيمة، تشبه ما لا يُقال."
ضحك الرجل وقال: "أتعلمين؟ هذه اللوحة بدأت من كلمة رفض. قالوا لي إن الرسم لن يُطعمك. فبدأت أرسم كل 'لا' قالوها، وحوّلتها إلى غيمات."
صمتت هالة، ثم قالت: "هل يمكنني أن أتعلم؟"
قال بهدوء: "أول خطوة هي أن ترفضي الرفض."
منذ ذلك اليوم، بدأت هالة ترسم. كل لوحة كانت "لا" قديمة تتحول إلى "نعم" جديدة. كانت الألوان حريتها، وكانت فرشاتها سلاحها ضد كل القوالب.
وسمّت أول معرض لها: "لاءات الرفض".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق