الجمعة، 30 يوليو 2021

إنسانُ العِلم...... عبد الله سكرية ..

 ونقلبُ صفحة المقفّى والموزون . لنكون مع هذه الدراسة الأدبية . 

.........الإنسانُ في شعر أبي تمّام_ الجزءُ الثّاني.

                       إنسانُ العِلم...

   أبو تمّام يعيدُ النّظرَ في ما يعرفُ ليصلَ إلى ما لا يعرفُ ،إنّه يبحثُ عنِ الإنسانِ المُتطوّرِ المُتجدّدِ . همّه الأكبرُ أن يجدَ الإنسان َالكاملَ، لذلك مضى يتغنّى به،ويرسم له صورتَه المثاليّةَ... كلُّ ذلك ليهذِّب جنسَهُ البشريَّ من ناسِ الواقعِ الذين حجبوا جوهرَ الإنسان. 

وهو القائلُ : 

" هذّبَ في جنسهِ ونالَ المدى

                            بنفسِه، فهو وحدَهُ جِنْسُ ..

                       ( ديوان أبي تمّام . ص 167). 

وأمّا  صورةُ نفسهِ الشّاعرةِ، رمزُ الإنسانِ  المتطوّر ، فترتسِمُ  في قولِه: 

طلعتُ طلوعَ الشّمسِ في كلِّ تلعةٍ 

                 وأشرقتُ إشراقَ السّماكِ على الخَصْمِ

وما أنا بالغيرانِ منْ دونِ جارِه

                       إذا أنا لم أصبحْ غيورًا على العلمِ 

لصيقُ فـؤادي مـذْ ثلاثينَ حِجَّةً

                     وصيقلُ ذهني  والمروِّحُ عن همّي . 

                               (المرجع نفسهُ . ص 411 ). 

هو الشّاعرُ نفسُه   الذي يتحدّثُ في الأبياتِ عرّفتْ عليه مجموعة الضّمائرِ بين متصلٍ التاء والياء، وبين منفصلٍ الأنا وأخرُ مستترٌ فاعل لأصبحْ وقد بدا في صورة الإنسان المتعلّمِ الذي يخلصُ لعلمهِ ، ويفي له ، ويصقلُ به عقله، ويطردُ بنوره ظلامَ جهلهِ . 

والأبياتُ جاءتْ على وزنِ البحرِ الطّويلِ ، وهو ما وصفه مترجمُ الإلياذة  بأنّه: بحرٌ خضمٌّ يستوعبُ ما لا يستوعبُ غيرُه من المعاني ، ويتّسعُ للفخرِ والحماسةِ والتّشابيهِ والاستعاراتِ وسردِ الحوادثِ وتدوينِ الأخبارِ ووصفِ الأحوالِ ، ولهذا رَبا في شعرِ المتقدّمينَ على ما سواهُ منَ الأبحُرِ، لأنّ قصائدَهم كانتْ أقربَ إلى الشّعرِ القصَصيِّ  من كلامِ المُولّدين.

                 ( مقدمة الإلياذة للبستانيِّ ص91. 

وأمّا حرفُ الروّيِّ، فهو الميمُ ، وحركتهُ الكسرُ الذي يدلُّ على الإنقياد ِ والإضافةِ كم مرَّ ، أمَّا  الميمُ فيدلُّ على الإنجماعِ .  ( تهذيبُ المقدّمةِ اللّغويّةِ للعلايلي ص64 )

ويُراجعُ كتابُ الدّكتور" أسعد علي ": (ألإنسانُ والتّاريخُ في شعرِ أبي تمّام ص57). 

ومعلومٌ أن المزيدَ علو وزن انفعلَ يعني المطاوعةَ والخضوعَ .ولعلّ الشاعرَ قد جعل الموسيقى والألفاظَ طوعَ انفعالهِ ، فكان ما أتاهُ تعبيرًا نقيًّا عمّا جالَ في خاطرِهِ ، وهو يقوِّم الاحوالَ التي تُحيط  بهِ وبها يتّسمُ  مجتمعُهُ..    

فأبو تمّام الباحثُ عن إنسانِ التّجدُّدِ والكمالِ هو الشمسُ طالعةُ   ، بأنوارها تتجدَّدُ ، وهو الكوكبُ المتألقُ كلَّ مساءٍ  والغيرانُ على  جوهرِ العِلم ، كما يغارُ العربيُّ الأصيلُ على جارِه  ،أو على من يستجيرُ به ، وبالعلمِ يطردُ الشّاعرُ الجهلَ ، وبهِ تزولُ الهمومُ ، لذلك جعله أبو تمّامٍ إلفَهُ على مدى ثلاثينَ عامًا . وكأنّي به شاعرًا إنسانًا يغمزُ بجرأةٍ من المُدّعينَ الجامدينَ الذين ضلّوا بادّعائِهِم ويحاولونَ تضليلَ الآخرين . وفي هذا يقولُ : 

إيّاي جارى القومُ في الشّعر ضلّةً 

                        وقد عاينوا تلكَ القلائدَ منْ نظمي 

 فلهُ القصائدُ المبتَكَرةُ  ، فكيف للآخرين أن يُجاروهُ في الشّعرِ ؟ ...

عبد الله سكرية ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لاءات الرفض بقلم :رنا عبد الله

 لاءات الرفض بقلم :رنا عبد الله العراق 🇮🇶  في زقاق ضيق تفوح منه رائحة الخبز الطازج وأحلام الطفولة، كانت "هالة" تمر كل يوم بجانب ...