مآس مظلمة 1
قصة جديدة / عبد الفتاح الطياري - تونس.
المخدرات آفيون الشعب
صباح آخر عادي مخمور... صداع ، بعد زفاف عادي في حمام دم... تتراقص صافرات الإنذار العادية في منزل تلميذي المقتول، أضرار جانبية يقولون...صيحات سيارات رجال الإطفاء طنين في طبلة الأذن.
في نشرات الأخبار المسترسلة ، ألعن تحليل الخبراء في كل شيء... يتحدثون عن تعودنا على حرب المخدرات بين صفحتين من الإعلانات المأجورة.
أما نحن، فأننا ننزف من الرئتين و أننا نطلق الحبال الصوتية حتى نفقد الصوت. و لا أحد يسمع دوينا.
لكن هؤلاء الضباع يعيشون من حياتنا ويشهدون على مآسينا كذبا... عيشنا الذي عزلوه في أحواز الحياة الطبيعية، يتحول إلى كارثة قاتمة تحت رشقات الرصاص.
ليلة مجنونة أخرى من الرعب الجهنمي في حارتي القديمة، هاهي عقود من الزمان، حيث دقت أمهاتنا الفقيرات ناقوس الخطر... لكن صرخاتهن تموت في دوامة شظايا المتفرقعات و القذائف ، والازدراء، واليأس، واللامبالاة، والصلاة، والدموع، والهلع والإهانة... انها أجرة الخوف ،
القاتل المقتول جثة في خندق الهيروين...اسطبل الخنازير الحضرية،
مت يا وغد، وعدُوك جنة الحوريات الخلد فحولت الحي الى جهنم اليأس...مصادرة لمصالح أقرانك القتلة ،
مت يا وغد، أنت صانع شغب و جندي صُغيّر حقير، موتك سيفسح السباق لمترشحي كارتل الجحيم الجدد.
من موتك، نحن لا يهمنا شيء، كان عليك فقط أن تختار الطريق الصحيح لفعل الخير...
والديك يحملان معهم خطايا جرائمك.
يجب على هؤلاء المساكين أن يكونوا قد قرؤوا "دليل الملاك المثالي"، الذي يخطط لمستقبل ذرية الشعب ويحميهم من الأسوأ مهما كانت طبيعتهم... والظروف التي هم عليها.
في الحي، يعيش السكان كل يوم وكأنها المذبحة الأخيرة،
منوّمين، حتى لا يفكروا في مصير مقتل الطفل القادم الذي سينتهي على الأرض ملطخ بدمائه كالكلب أو جثة في صندوق سيارة متفحمة...
هنا أكثر من أي مكانا آخر، يتم دفع أموال المخدرات دفعة واحدة، رصاصات ساخنة، وطلقات كلاشنيكوف مدوية.
هنا تطحن عجلة القدر أحلام الثروة السهلة.
تضيع حياة الشباب بين الأحلام والأحقاد
كان علي العائلات فقط إبقاء أطفالهم مسلسلين في المنازل مدى الحياة.
نادرا ما تنتهي طفولتهم بالشيخوخة.
آخر صباح جنائزي حيث المراهقون يحلم احتضان المهنة الثرية: شوف( مراقب قدوم البوليس) أو تاجر موت
فاحت الكراهية والعجز والغضب أمام نقّالات مواكب الجثث: توابيت الجنازة... صلاة الجنازة في المشرحة... وفي المسجد، وفي المقبرة،
عائلات على حافة الهاوية،
تابوت المليونير المزعوم أعيد إلى بلد أجداده في طائرة بضاعة.
وأمام اللامبالاة المتواطئة لمن يدير شؤوننا من السياسيين، جاء الصحافيون لالتقاط صور والكاميرات التلفزية بابتساماتهم الاحتفالية ليشوهوا الأحياء الشعبية والإسلام والسود و العرب.
مات المزوّد ولم يرأف عليه أحد.
لا يعتبر المشترون بأي حال من الأحوال مذنبين أو خاضعين للمساءلة في تسوية هذه الحسابات.
أولئك الذين يستنشقون سجائرهم لقضاء وقت ممتع لم يضغطوا على الزناد.
يجب أن نتحدث بالأحرى عن القتل أو الاغتيالات ولا عن الأعمال الانتقامية في مناقشاتنا النضالية ،
الكلمات لا تمنع الموت العنيف ،
يجب علينا طلب تحرير الاستهلاك ، و تقنين البيع
هذا يوم مميت من الاشمئزاز بين اليأس والغضب
أردنا أن نضاجع الأمر لوقف المذبحة...فالفراش نتن...
هذا يوم آخر من الرهبة على الحي من جانب أولئك الذين يحلمون كل يوم بالعيش السعيد، بسلام وأمان مثل أي إنسان.
قاتل و مقتول و متضررين ابرياء ، هم أطفال احياء الدمار الشامل...و يبقوا القادة في نزلهم زعماء...
حلموا بالمال فجنوا الموت...فلا ينفع الندم...
حلموا بالثروة ، لكن فاتهم الميعاد... وبقوا بعاد... والنار بقت دخان ورماد و جثث على اسمنت الطرقات.
قلت في نفسي و أنا ابتعد من منزل تلميذي:
غريب و الله... بائعي المخدرات زعماء حرب يقتتلون ويقتلون أصدقاءهم ويحرقون أحياءهم من أجل السلطة قبل ان يموتوا بدورهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق