العرّافة
ينتظرن متلفّعات بملاءات بيضاء و سوداء وأنسام الفجر تلثم الأفنان في رقّة ورفق.
ستار أبيض شفّاف يحول بينها و بينهنّ.
طال الإنتظار لبعض الوقت وخفقان أفئدتهنّ يسابق أحلامهنّ ..
-أبطأت هذه المرّة ..همست إحداهنّ بصوت خفيض و أخذت في تفقّد الحقيبة المنبعجة.
بصوت شجيّ تلفّظت صاحبة الطّول الفارع
ربّما داعبها النّعاس وأنساها انتظارنا و أنهت كلامها ببسمة مازحة.
كان الباب الخشبيّ مافتئ يصارع أزمنة مصغبة وكلّه كبرياء .اقتربت منه صاحبة الوشم الأمازيغيّ و الّذي ترك لمسة إبداعيّة على خدّيها وجبينها ..تصببت عرقا باردا ..ارتجفت أوصالها ..تسارعت دقّات قلبها ..هوت كغصن في عنفوان العاصفة.
اسرعن إليها ، أسعفنها برذاذ ماء وعطر أزكم أنفها.
قلقلة مفتاح .. رافقه صرير مرعب ..صوت متقطّع حرّر جدالهنّ.
ساد صمت رهيب .. رفرفة أجنحة بيضاء أبهرتهنّ ! استقرّت على كتفها كلجة ناصعة.
- زوجي جافاني ..و بصوت مرتجف أردفت قائلة : - أريده أن يهتمّ بي ، أنا خائفة ! أرجوك ساعديني ..!
دنت منها أخرى و في نبرة صوتها عزم : -أريد التّحكم ، لا أرضى به بديلا .
- أمّا أنا فإنّي خائفة أن يتزوّج ! لا أريد من ينافسني في مملكتي ولو قدّمت حياتي قربانا.
كانت تلوك الكلمات بصوت متقطّع تارة ومسترسل تارة أخرى مع بحّة ملفتة.
تقدّمت أصغرهنّ بخطى وئيدة ، مكسورة وكانت على استحياء ..!
- أود أن يصرخ صغير في حضني ..هو يهدّدني ..عائلته تبغضني .. أنا مريضة.
ساد السّكون لبعض الوقت.
طفق الهديل يشجي مسامعهنّ ..أومأت لها ، بإشارة من يدها والّذي أحدث جلبة خفيفة لأساورها ؛ طارت بعيدًا.
قدّمت لهنّ المستور في قراطيس ورقيّة ، استوصت كل واحدة بما تفعل.
فوضى عمّت في اقتسام الغنيمة ؛ لقد نفشت فيها غنم القوم.
د.الأديب عبد الستار عمورة الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق