جنون متسوق ؟
بعد العشاء من كل ليلة وبعد التدقيق الشبه الديني في قائمة مواقعه المفضلة، يكون قد رصد بعض العناصر الأساسية و الضرورية ! حسب ظنه... يأخذ بطاقته الائتمانية وتحت رعاية قرينته ينقر على "شراء" أي شيء.
إنه يعيش إدمانه على التسوق بهدوء شديد في غرفة المعيشة الخاصة به، وجها لوجه مع جهاز كمبيوتره الخاص. لا غرفة قياس في دكان ولا نظرة اتهام الصرافة، تلك الساحرة النفاثة عند الدفع وقت الخروج.
نقرة واحدة وغدا صندوق البريد سيكون ممتلئا!
"إن سهولة الوصول إلى الشراء يجعل التسوق أكثر اندفاعا. لم يعد هناك مكابح. يمكنك الابتياع في أي وقت من النهار أو الليل، ولم تعد بحاجة إلى الانتظار. بفضل النات ، لم تعد هناك إجراءات تأخر تنفيذ عملية الملكية. أنت تشعر محميا من أعين المتسوقين وحماسة بعض البائعين."
مرت الأيام ولم تأت بضاعته.
عاد من عمله إلى البيت منهزما.
لم يقدر على محو أحزانه.
كيف وصلت إلى هذا الحد؟ ما هو السبب؟ حدث نفسه.
وضع كرسيه الحديدي في شرفة شقته وبقي لوقت طويل يتابع سقوط المطر. لف سيجارة وأشعلها وبدأ يستنشقها وكأنه يبحث عن الأكسيجين الذي ينقصه. فتح هاتفه الجوال، الضوء يزعجه، ومع ذلك أعاد للمرة الألف قراءة التنبيه الوارد من بنكه ليعلمه أن "حسابه يشكو الضعف." وإن عملية التسوق عدد المائة وألف يستحيل استخلاصها لتقلص ضخيرة حسابه...
لم يكف عن التنهد والتأوه والحسرة...
اغمى عليه.
وفي زفرة من الألم وجد نفسه في عيادة طبيبة النفس ، في قسم الاسعاف متمددا على سرير أحمر اللون. كلما أراد أن يناقش الدكتورة ، تسبق الدموع اسئلته المعاودة...
أنا مريض ؟
لم ترد عليه ! لعلها تبحث عن ربح الوقت لتهدئه حتى يفهم مقصود التشخيص ؟
استدركت ووضعت يدها اليمنى على بطنة طالبة منه التنفس... احتكاك أجسادهما ازعجته فصار يتنفس بسرعة... وبرقة صوتها وعذب كلامها حدثته:
-- يوفر لك“ التسوق القهري ”تجربة مطمئنة إلى حد ما. عامة ما يشعر الأشخاص الخجولون براحة أكبر عند محاولة ارتداء ملابسهم أمام مرآة خاصة بهم أكثر من ابتلاء ذلك تحت أعين طرف ثالث.
إذا المرض جاد يا دكتورة؟
نعم! يمكن أن يتحول الشراء الإجباري عبر الإنترنت إلى خطر نفسي واجتماعي ومالي حقيقي. وخاصة اذا زغت عن حقيقة حسابك المصرفي
لذلك من الضروري اكتشاف ما يدفعك إلى هذا النوع من التسوق بشكل لا يمكن كبته. إذا لم تكن وسيلة لإخفاء الاكتئاب، أو لملء الفراغ العاطفي أو الوجودي، أو الاستجابة لنقص. فما يحمله إذا ادمانك من ذكريات؟
أن متعة مدمنو التسوق سريعة الزوال. لأنه بمجرد دفع ثمن الغرض، يختفي الشعور بالرفاهية على الفور... هم يسعون فقط لملء الغياب بشكل مصطنع...
اريد ان أشفى يا دكتورة؟
لا شيء جاد إذا كان الشراء منعزلا ومدروسا ووجد فائدة لك! إن التكرار المحموم هو الذي يجعل عملية الشراء مٓرٓضية. حقيقة أن ينتهي بك الأمر إلى إنفاق كل راتبك، وأنه لم يعد بإمكانك دفع الإيجار، أو إرسال أطفالك إلى المصيف.
لا يوجد عنصر خارجي يشير إلى أنك تنزلق... أنت وحدك في مواجهة هوسك!
دفع أجر الدكتورة وأنطلق يجوب شوارع المدينة ويدخل كل المتاجر ويبتسم للبائعات ويجرب الكساء الواحد تلو الآخر... وفي آخر النهار، اشترى معطفا والحال صيف.
رددت في أذنيه الفتاة، حسنا فعلت... غدا سيتضاعف سومه... انه أرخص من سعر التسويق أونلاين.
تفاجأ فسألها: كيف تعرفين؟
ردت عليه: ماذا؟
تركها وغادر المحل... تغير الطقس و انطلقت بسرعة زوبعة من الرياح والمطر.
عبد الفتاح الطياري
مرسيليا فرنسا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق